الصدق هو اعتقاد الحق وقوله والعمل لله بمقتضاه وهو سجية كريمة وخصلة عظيمة تدل على سلامة الفطرة لدى المتصف بها وثقته بنفسه وبعده عن التكلف والتصنع ويكفي للدلالة على منزلته من الاخلاق وحسن عاقبته علىاهله في العاجل والاجل ان الايمان كله صدق في القول وتصديق بالحق وعمل بمقتضاه وتعبير عن هوان كل ما تصنع به المتصنعون ونسجه اهل الحيل سينكشف ويزول بهرجا ولا يبقى الا الصدق،
وكم في الكتاب والسنة من النصوص الصحيحة الصريحة التي تستجيش الهمم وتحفز العزائم على التحلي بالصدق واللحاق بركب اهله وتعد عليه بالنجاح والنصر والعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة وتغري به بما رتب الله عليه من الاجر العظيم والثواب الكريم وعظيم الرضوان وعلي المقام في الجنان، واعظم شأن الصدق ان الله تعالى اثنى به على نفسه الكريم بصدق وعده ونصر عبده وصدق الحديث والقيل واثنى على رسله بالصدق والتصديق واثابهم على ذلك رفعة الدرجة وعلو المنزلة عنده وجعل لهم لسان صدق في الاخرين وجعل سبحانه الصديقين في منزلة تلي النبيين والمرسلين تنويها بمقامهم واشادة بفضلهم وتنبيها على عظم ما خصهم الله تعالى به من النعم الدينية والدنيوية وكانوا بذلك سادات الخلق في الدنيا والآخرة بعد النبيين وما ذلك الا لسبب تصديقهم للنبيين وعملهم بما جاؤوا به من الحق المبين،
وهكذا يجزي الله الصادقين بصدقهم أعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما فأيضا لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم،
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال؛(عليكم بالصدق فان الصدق يهدي الى البر وان البر يهدي الى الجنة ومايزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا)، وفي التنزيل يقول الحق سبحانه؛(ياايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، والمعنى كونوا مع محمد صلى الله عليه وسلم كما روى ذلك عن ابن عمر رضى الله عنهما،
وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى؛ اذا اردت ان تكون مع الصادقين فعليك بالزهد في الدنيا والكف عن اهل الملة،
فنبّه هذا الامام العظيم على امرين يستعان بهما على التخلق بالصدق واللحاق بركب الصالحين وهما؛
السبب الأول؛الزهد في الدنيا والواجب منه ترك الحرام وكما له بترك فضول الحلال وما لا ينفع في الآخرة وانما كان الزاهد في الدنيا اساسا للصدق وسببا له لان الزهد يعرف ان الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر وانه ينبغي ان تتخذ عونا على الآخرة لاشغلا عنها وقد انصب همه على آخرته وتعلق قلبه بربه ولهذا يبتغى وجه الله تعالى فيما يأتي وما يذر ومن ثم فلا حاجة به الى ان يكذب لان حب الدنيا والولع بمتعها والطمع في تحصيل ما يراد منها هو السبب الوحيد او الأعظم لكذب فمن كانت همته الآخرة جانب الكذب لهوانه عنده وهوان اهله وهوان ما يترتب عليه من متع الدنيا،
اما السبب الثاني للصدق والفوز بمعية الصادقين في نظرذلك الامام العظيم فهو الكف عن اهل الملة اي اهل الاسلام فان من سلم المسلمون من لسانه ويده وامنه الناس على دمائهم واموالهم وأمنوا بوائقه من بغض وحسد ونظرة عين ونحو ذلك من الغوائل والشرور لشدة حرمة هذه الامور في الشرع وتعظيمه لحرمات اخوانه فذلك هو المؤمن الكامل الايمان والايمان الكامل يحجز صاحبه عن الكذب كما يحجزه عن سائر المحرمات وكبائر الذنوب لقوة ايمانه وصدقه في عبادته وعظم خشيته منه لكمال علمه به