العِلْـمُ، هو كل نوع من المعارف أو التطبيقات. وهو مجموع مسائل وأصول كليّة تدور حول موضوع أو ظاهرة محددة وتعالج بمنهج معين وينتهي إلى النظريات والقوانين[1]. ويعرف أيضًا بأنه "الاعتقاد الجازم المطابق للواقع وحصول صورة الشيء في العقل".[2] وعندما نقول أن "العلم هو مبدأ المعرفة، وعكسه الجَهـْلُ" أو "إدراك الشيءِ على ما هو عليه إدراكًا جازمًا" [3] يشمل هذا المصطلح، في استعماله العام أو التاريخي، مجالات متنوعة للمعرفة، ذات مناهج مختلفة مثل الدين (علوم الدين)و الفلك (علم الفلك) والنحو (علم النحو)...
و بتعريف أكثر تحديدًا، العِلْـمُ هو منظومة من المعارف المتناسقة التي يعتمد في تحصيلها على المنهج علمي دون سواه، أو مجموعة المفاهيم المترابطة التي نبحث عنها ونتوصل إليها بواسطة هذه الطريقة [4] .عبر التاريخ إنفصل مفهوم العِلم تدريجيا عن مفهوم الفلسفة، التي تعتمد أساسا على التفكير والتأمل والتدبر في الكون والوجود عن طريق العقل، ليتميز في منهجه بإتخاذ الملاحظة والتجربة والقياسات الكمية والبراهين الرياضية وسيلة لدراسة الطبيعة، وصياغة فرضيات وتأسيس قوانين ونظريات لوصفها. [5]
يتطابق ظهور العِلم مع نشأة الإنسانية، وقد شهد خلال تاريخه سلسلة من الثورات والتطورات خلال العديد من الحقبات، لعل أبرزها تلك التي تلت الحرب العالمية الثانية، مما جعل العلم ينقسم لعدة فروع أو عُلُوم. تصنف العلوم حسب العديد من المعايير، فهي تتميز بأهدافها ومناهجها والمواضيع التي تدرسها:
حسب الأهداف، نميز العلوم الأساسية (مثل الفيزياء) والعلوم التطبيقية (مثل الطب)،
حسب المناهج، نميز العلوم الخبرية أو التجريبية (أي تلك التي تعتمد على الظواهر القابلة للملاحظة والتي يمكن اختبار صحة نظرياتها عن طريق التجربة) والعلوم التجريدية أو الصحيحة (المعتمدة على مفاهيم وكميات مجردة، والاستدلال فيها رياضي-منطقي).
حسب المواضيع، نميز :
العلوم الطبيعية (الشاملة كالفيزياء والكيمياء أو المتخصصة كعلم الأحياء أو علم الأرض).
العلوم الإنسانية أو البشرزية وهي التي تدرس الإنسان ومجتمعاته (علوم اجتماعية) والاقتصاد والنفس...
العلوم الإدراكية مثل العلوم العصبية واللسانيات والمعلوماتية...
العلوم الهندسية.
تعريفات العلم
يَحملُ تعريف العِلم (بكسر العين) في اللّغة العربية اختلافًا كبيرًا بين معان عديدة ومصادر مختلفة:
العِلم كمرادف للمعرفة، أي إدراك الشيء بحقيقته، ونقيضه الجهل. فيقال "فلان على عِلْمٍ بالأمر أي يَعرفُه". وفي قول الله {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} (النجم 35). وتنسب المعرفة عادةً، في بعض السياقات، للإدراك الجزئي أو البسيط لا للمفاهيم الكّلية والمركبة فيقال "عَرفتُ الله" ولا يقال "عَلمتُ الله".[6].
العِلم كمرادف أو كمرتبة لليقين ونقيض للشّك والظن، ويظهر هذا المعنى في القرآن الكريم في العديد من الآيات مثل قول الله تعالي في كتابه العزيز {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ} (البقرة 144) و{كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمْ} (التكاثر 6،5) ويقال "اليقين هو بلوغ الإيمان في القلب لمرتبة العِلم والمعرفة التامة وتُنافي الشّك والريب عنها" [7].
العِلم ويُراد به في الحضارة الإسلامية العِلم الشرعي اقتصارًا دون العِلم الدُنيوي [8][9]. ويطلق لفظ العَالِم على الفقيه والمجتهد في الشريعة وأصول العقيدة الإسلامية، ويقول رسول الله {إن العُلَماء ورَثةُ الأنبياَء، إن الأنبياَء لم يورثُوا درهمًا ولا دينارًا وإنما ورثُوا العِلمَ فمَن أخذه أخذ بحظٍ وافرٍ} (أخرجه أبو داود). وقد جاء فضل العِلم والثّناء على أهله في الكثير من سور القرآن الكريم، مثل قول القرآن {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} (المجادلة 11) و{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَاب} (الزمر 11). وكذلك في الأحديث النبوية التي تحض على طلب العلم والعمل به وتبليغه، ومنها عن أبي أمامة حين قال: سمعت رسول الله يقول{فَضلُ العَالِم على العَابِد كفضلِي على أدناكُم} ثم قال {إن اللَّه وملائكتهُ وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جُحرها وحتى الحوت لَيصلُون على مُعَلِمي النّاس الخير} (أخرجه أبو داود) [10]. وينقسم العِلم الشرعي على قسمين: الأول فرض عين، أي ما يلزم المسلم معرفته عن أمور دينه مثل أحكام الحلال والحرام، والثاني فرض كفاية، بحيث يكون واجبا على جمع من الأمة ويحصل بهم القيام بهذا الواجب [11].
وفي القرآن الكريم، ويُراد به كل ما بني منطقيا على معطيات الحواس ولا فرق في ذلك بين علوم دينية أو طبيعية أو منطقية،قال تعالى:"وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا{36} " الإسراء17، وهذا دال على أن الحواس والمنطق مسئولون عن تكوين العلم في النفس [12]، ينتج عن التأمل والتفكر والتعقل في الطبيعة وقوانينها ويدعو من خلال ذلك إلى الإيمان باللّه. ويتجلى ذلك في العَديد من الآيات ومنها قَولُه تعالى {أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)} (فاطر) و{قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (العنكبوت 20)... قال الله (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)
العِلم، بتعريفه الحديث، يطلق في الآن نفسه على الطريقة التفكير العلمية (مشاهدة، فرضية، تجربة، صياغة) والمنظومة الفكرية التي تنتج عنها وتشتمل على مجموعة الفرضيات والنظريات والقوانين والاكتشافات المتسقة والمتناسقة التي تصف الطبيعة وتسعى لبلوغ حقيقة الأشياء [13]. والكلمة المقابلة للعِلم، بهذا التعريف، في الإنجليزية هي "ساينس" Science (مشتقة من كلمة scientia اللاتينية وتعني المَعرِفة Knowledge) وتحمل أيضًا نفس المعنى. يقصي هذا التعريف كل ظاهرة غير قابلة للمشاهدة وكل فرضية لا يمكن اختيارها بالتجربة لإثباتها أو تفنيدها. ويعتبر بعضهم أن الرياضيات، رغم أهميتها للعِلم، غير مشمولة في هذا التعريف لأنها لا تتطلب المشاهدة، وتتخذ بدهيات ومسلمات، وتتعامل مع كائنات المجردة غير قابلة للتثبت عن طريق التجربة [14]. وكما تستعمل الرياضيات كوسيلة أو أدات لدراسة قوانين الكون و
أنظر كتاب أحمد مستجير : "مدخل رياضي إلى عروض الشعر العربي" (1987) [2006] دار العين للنشر. والتنجيم. وقد شهدت الرياضيات تحولات هامة بعد تركز نظرية الشواش والهندسة الكسيرية (خاصة مع أعمال إدوارد لورينتز في سبعينات القرن الماضي)، وأدى ذلك لظهور نسق فكري جديد يسعى إلى تطبيق المنهج التجريبي في الرياضيات ويدعى الرياضيات التجريبية