الكلمات المركبة في اللغة العربية
يلفت
نظري في أغلب الاحيان بعض الكلمات الأجنبية التي تتسم بعلاقتها باللغة
العربية فأحاول أن أبين طبيعة و اصل هذه العلاقة ، بأن اعود الى اصول هذه
الكلمات و ربطها منطقيا باللغة العربية التي تعتبر بدون أدنى شك أم اللغات و
لسان الالسن ، فيتأكد لي بعد كل ذلك أنها عربية على التحقيق .
إذ ،
يوجد في اللغة العربية – الإنسانية العديد من الكلمات المركبة من كلمتين
أو أكثر ، مما جعل الامر يلتبس على العديد من اللغويين في شأن هذه الكلمات
فنسبوها الى الاعجمية عندما لم يستطيعوا التماس معنى عربي لها ، او عندما
لم يستطيعوا ان يردوها الى اللغة العربية بالرغم من ان العرب يستعملون هذه
الكلمات بشكل واسع و مستمر ، و كما بينت ان القرآن الكريم فيه العديد من
هذه الكلمات منها جهنم و جحيم و فردوس و غيرها الكثير.
ولقد قمت
بمناقشة عدد من هذه الكلمات في المقالات السابقة في مجلة ديوان العرب منها
جحيم ، التي تتألف من كلمتين هما جيء و حميم ، و منها فردوس التي هي في
أصلها برد- ذي - حيث أن حرف السين في آخر الكلمة هو لفظ ملطف للحروف ذي- و
ذو- و ذا ، فيكون معناها ذات البرد.
المحامي أوقاضي العفو –AVOCATO مقارنة لغوية :
من
هذه الكلمات الاسم الذي يسمى به المحامي باللغات اللاتينية AVOCATO أو
بالفرنسية AVOCAT و التي تعود باصولها الى كلمتين عربيتين هما – عفو – و
قاضي ، حيث أن مهنة المحاماة تتمثل اصلا في الدفاع عن المتهم ، فهو الذي
يقضي بالعفو عنه في مواجهة قاض آخر هو قاضي الاتهام و الادعاء .
وإذا
علمنا أن هذه المهنة من أقدم المهن في تاريخ الانسانية ، حيث انها ظهرت مع
ظهور الانسان ، فالخلاف بين الناس كان منذ نشوء الانسانية ، تبين لنا أن
هذه التسمية انما تعود الى بداية التاريخ الانساني والى اللغة الاولي فكانت
تسمية قاضي العفو – عفو قاضي Avocato ، لذلك كان إرتباط هذه التسمية
باللغة الاولى للبشرية وثيقا بهذا القدر.
(( ظهرت مهنة الدفاع منذ
ان وجدت الخصومة. وهي مهنة مرتبطة ارتباطا لصيقا بنصرة الحق والدفاع عن
المظلوم وإرساء دولة القانون والمؤسسات. كما تعد هذه المهنة معقلا للدفاع
عن الحرية وعن استقلال القضاء. و حق الدفاع حق مقدس من الحقوق الاساسية
للانسان يقاس به مستوى الديموقراطية في المجتمع.
ومن هذا المنطلق لم
تكن مهنة المحاماة في يوم من الأيام مهنة غذائية بل هي رسالة إنسانية
سامية، شريفة ونبيلة، رسالة مبادئ ومواقف تساهم في دعم العمل الديمقراطي في
المجتمع. ومن تم كان يشترط دائما وأبدا في الراغب في تحملها وتحمل مخاطرها
ان تكون له الموهبة و ان يتمتع بخصال الشجاعة الأدبية والجرأة والذكاء
والفطنة وسرعة البديهة وما يعرف " بالحضور" والالمام بالقوانين وبقدرة
الجدال بالتي هي احسن وقدرة الاقناع إلى جانب خصال الصدق والنزاهة
والاستقامة والشر ف.)) – خالد خالص – الحوار المتمتدن – العدد 1131 ومما
تقدم نرى أن صفات المحامي هي صفات القاضي العادل الذي تتمثل به كل الخصال
النبيلة التي تؤهله لاصدار الحكم و القضاء بين الناس ، لكن هذا القاضي – هو
قاضي العفو – الذي يقف الى جانب المتهم في سعيه لتبرئته من التهم المنسوبة
اليه استنادا الى الادلة و الوقائع و الحجة.
من هنا نرى ان تسميه
هذا القاضي بلقب ( المحامي ) في العصر الحديث فيه من الركاكة اللغوية التي
تعود بسببها الى عصر الانحطاط، الذي يسميه البعض عصر النهضة ، حين بدأ
العرب يدخلون على اللغة العربية بعض التسميات لبعض المهن محاولين ترجمة
اسماء هذه المهن و ايجاد بديل ( عربي) عن معناها الاجنبي ، و الاجدى و
الابلغ ان يسمى ( قاضي العفو ) هذه التسمية التي تخوووله القضاء لموكله قبل
ان يتولى مهمة الدفاع عنه، فإن وجد موكله بريئا سار في الدفاع عنه دون
تردد، وإلا فليحجم عن تولي هذه المهمة فيضمن بذلك نزاهته و صدقه و استقامته
التي هي مقومات مهنة (قاضي العفو) المحامي الاساسية.
معنى كلمة جهنم في اللغة العربية ( جيء هنوم- بالعبرية ):
قال
اللغويون ان الكلمة هي كلمة عبرية دخلت الى اللغة العربية - و لكن العكس
هو الصحيح حيث ان اللغة العبرية ليست سوى لهجة من لهجات العرب القديمة ،
كما أن ما اثبته ان اللغة العربية هي لغة الانسان الاول -آدم - يجعلنا ندرك
ان جميع الكلمات التي يظن البعض انها اعجمية هي في اصولها عربية. ان كلمة
جهنم هي كلمة مركبة من كلمتين عربيتين هما ، جئ و هنوم ومعناها وادي هنوم
في اللغة العبرية وهو اسم مكان يؤتى بالناس اليه ( أو يجيئون اليه ، الناس )
في العربية على حد سواء. و لابد لنا من تحليل لكلمة جيء اولا حتى نستطيع
إدراك المعنى ، فكلمة جيء تصاع باللغة العربية بصيغتين :
1- كإسم
2- كفعل
ولذلك
فهي كلمة عربية قطعا ، وهي من فعل جاء يجيء ، ويقال جاءوا و جيء بهم و جيء
به ، و نرى ذلك في الآية القرآنية ((وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ
رَبِّهَا وَ وُضِعَ الْكِتَابُ وَ جِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَدَاءِ
وَ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَ هُمْ لَا يُظْلَمُونَ)) – قرآن كريم –
من هنا نرى أن اسم المكان ( جيء – بالعربية و بالعبرية أيضا ) قد إشتق من
الفعل العربي جاء.
فنحن حينما نقول : طرق طريقاً ، تكون هذه الجملة
تتكون من فعل طرق و اسم طريق ، وإذا قلنا جاء جيئا ، على وزنها علمنا ان
اسم جيء مشتق ايضا من فعل جاء ، فالجملة تتكون من فعل جاء و اسم جيء.
إن
الاشتقاق في اللغة العربية يبين لنا أن ما قصد به من كلمة جيء يمكن أن
يعني اسم لمكان أو لوادي وهي بصيغة الاسم – كما انها تكون جيء بصيغة الفعل
ايضا ، و يمكننا قياس هذه الكلمة على معنى عدد من آيات القرآن كما يمكننا
قياسها على مبدأ الاشتقاق اللغوي للإسم من الفعل.
ونحن نعرف تماما
أن كلمة وادي تعني المنخفض من الارض الذي قد تحيط به الجبال ، وهذه الكلمة
معروفة و مستعملة في العربية بشكل كبير، و مرادفها الغربي كلمة والي- فالي
valley ، أما اشتقاقها ، و صياغتها بشكل فعل ، فتصبح على الشكل التالي :
أودي بوادي هنم ، و يستعملها العرب في معنى حل به و بمعنى مات واودى
بحياته، لكن معناها الاصلي هو - هوى و سقط في الوادي و قياسا عليها نقول –
جيء بجيء هنوم .
أوجه صياغة الجملة باللغة العربية متعددة بحيث تفيد
المعنى الواحد: في اللغة العربية يمككنا صياغة الجملة على اشكال متعددة
تفيد المعنى الواحد مثلا : جاء التلميذ الى المدرسة - جاءَ التلميذ المدرسة
– جاء المدرسة ( التلميذ ) وهنا نرى التلميذ كضمير مستتر ، جيء بالتلميذ
الى المدرسة – جيء به إلى المدرسة- جيء بالمدرسة . ويمكننا صياغة جملة على
هذا الوزن كالتالي : إذا حان موعد الامتحان و جاء المدرسة و اصطفت اللجنة
الفاحصة ، و جئ يومئذ ٍ بالإدارة للعقاب ،يومئذ يتذكر التلميذ انه لم يدرس .
فكما
ان فعل ساق يصاغ سيق ، ففعل جاء يصاغ جيء. لذلك نرى أن صياغة الفعل جيء في
القرآن أتى على وزن سيق ((وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ
زُمَرًا)) ((وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ
زُمَرًا)). من هنا نرى انها تعني جئ بهم وهي عائدة للإنسان كافرا كان او
مؤمنا ((وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَ وُضِعَ الْكِتَابُ وَ
جِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَدَاءِ وَ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَ
هُمْ لَا يُظْلَمُونَ)) ، فصيغت جيء بالنبيين او جيء بهم . من هذا المنطلق
يمكننا أن نفهم معنى جملة جئ بجهنم في الاية القرآنية ، حيث ان كلمة جئ
الاولى صيغت بشكل فعل ( جئ به الى جهنم – و المقصود به، الإنسان ) وفي كلمة
جيء القرآنية الثانية التي صيغت بشكل اسم المدغمة في كلمة جهنم ( جيء هنم )
- يقول القرآن الكريم(( كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَ
جَاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَ جِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ
يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَ أَنَّى لَهُ الذِّكْرَى)) هذه
الاية التي قام المفسرون بتفسيرها تفسيرا فيه ما التبس عليهم في المعنى ،
حيث يقولون ان الله قد جاء ومعه الملائكة!!! ، كما فسروها ان الملائكة جاءت
تحمل جهنم!!! ، أما الاحتمال الاخر لمعناها فهو أن هذه الاية تعني الآتي (
إذا جاء الانسان الى ربك ) ، بينما الملائكة تقف صفا صفا ، وهنا كلمة جاء
تعني أتى ، أما جملة جئ يومئذ بجهنم التي فسرها بعض السلف ان الملائكة جائت
تحمل جهنم ـ تحمل في معناها وجها آخر ، فما يحتمل من معناها ايضا ما يعني
انه قد جيء بالانسان يومئذ ( بجهنم – بجيء هنم ) بوادي هنوم .
ونستطيع
تلمس معنى الوادي الذي يقع على شفا جرف في الاية الكريمة ((أَفَمَنْ
أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم
مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي
نَارِ جَهَنَّمَ وَ اللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ))
ونستطيع ان نتلمس معنى الوادي في الاية (( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي
الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَ لَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا)) من
كل ما تقدم نستطيع ان نقول ان جئ الاولى تعني الفعل من جاء ، وان جئ
الثانية تعني المكان و تحديدا الهاوية والاسفل و الوادي و جملة جئ بـ جهنم ،
التي تعني ( جيء بجيء هنوم ) اودي بوادي هنوم فيها فعل جيء و اسم جيء. و
الله أعلم.
كونسرة – concert - سهرة الغـناء
من هذه الكلمات
العربية المركبة ايضا مجموعة كبيرة ، نأخذ منها على سبيل المثال و الزيادة
في العلم كلمة – كونسرت concert و التي يستعملها الغربيون في معنى حفلة
الغناء ، فهي في أصلها كلمتين عربيتين هما ، غن و سهرة ، اي سهرة الغناء.
استنبط – استنبت – Stamp – Tompon
أن
كلمة Stamp الأجنبية التي تعني الختم و الطابع ، ليست سوى كلمة مشتقة أصلا
من تعبير عربي لهذه العملية و هو تعبير – استنبت – أي أخرج نباتا ، و التي
أنتقلت حتى في اللغة العربية الحديثة الى فعل – إستنبط ، فتحولت التاء إلى
طاء.
لا بد لنا في النهاية من التأكيد أن مقارنتنا لهذه الكلمات
المركبة ، إن كانت في اللغة العربية الفصيحة التي نستعملها في كلامنا و
كتاباتنا ، أم كانت في اللغات الأعجمية تجعلنا نصل دائما إلى الحقيقة
الثابتة أن لغة الإنسان في أصلها هي لغة واحدة و انها اللغة العربية ، أو
الأرامية - الأرابية بالإبدال اللفظي ، كما يحلو للبعض تسميتها – أي
السريانية حيث أنهم يقولون أن السريانية هي فرع من فروع اللغة الآرامية -
مع التأكيد أن هذه اللغة هي لغة الإنسان ، و لا يوجد من مجال في أن ننسب
هذه العربية – الآرامية إلى إصطلاح الشعب العربي أو الآرامي بمفهومه
العنصري أو التعصبي الحديث لجماعة من البشر ، بل الى العروبة الإنسانية
التي تشمل في كلماتها و لهجات كل البشر بالوانهم و اديانهم و توزعهم في شتى
بقاع الأرض ، و إنتسابهم جميعا الى أب واحد مما يجعل من البشرية عائلة
واحدة لا تفريق بينها باللون أو الجنس أو مكان السكن أو اللغة (( كلكم لآدم
و آدم من تراب )).
و هنا لا بد من التذكير بقول رسول الله محمد ( ص
) – " ليست العربية من أحدكم بأب أو بأم إنما هي اللسان ، لا فضل لعربي
على أعجمي إلا بالتقوى " – فجعل الفضل بين الناس بالتقوى ( بمفهومهم العرقي
المنبوذ أصلا من الله تعالى- عربا كانوا أم عجما أم أكرادا أم تركمان أم
أوروبيين ، فلا تفاضل بين الناس إلا بالتقوى )، كما جعل البيان باللسان ،
الذي بينه الله تعالى في كتابه الكريم القرآن فقال (( إنا أنزلناه قرآنا
عربيا لعلكم تعقلون )).
كما أن هذا المفهوم ينطبق على العبرية و
السريانية - الآرامية- الآرابية ، حيث تقول التوارة عن إبراهيم (( آراميا
تائها كان أبي فتغرب في مصر و أصبح أمة كبيرة )) ، فنفهم منها بالإبدال أن
إبراهيم كان ( آراميا – آرابيا ) عربيا فتغرب في مصر و أصبح أمة كبيرة .