رقصة قوس قزح (رواية) - شريف مليكة
رقصة قوس قزح (رواية) - شريف مليكة
قبنفسجى، أزرق، أزرق نيلى، أخضر، أصفر، برتقالى، أحمر... هكذا تتدرج ألوان الطيف، لدى تحليلها بمنشور الضوء، فى المعمل وعلى صفحات هذه الرواية المتميزة - آخر ما أبدعه قلم الطبيب الأديب الدكتور شريف مليكة، فى مهجره الأمريكى الشمالى.
نحن هنا - كما فى بعض إبداعا صنع الله إبراهيم وعلاء الأسوانى - نلتقى بجالية مصرية تعيش في العالم الجديد، وتمثل نماذج بشرية مختلفة ذات استجابات متباينة - من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال - لمعطيات الوضع الحضارى والثقافي والحياتي المغاير لما عهدته في موطنها الأصلى.
إن قوس قزح هو الاستعارة الشعرية المركزية التى تشد هذه الحيوات المتنوعة إلى مدار واحد. والحفلة التنكرية (انظر ما يقوله باختين عن الكارنيفال) التى تقام في يوم عيد الاستقلال الأمريكي هي الحدث المركزى هنا (قارن الحفلة التى تقيمها مسز دالواي في رواية فرجينيا ولف) حيث ترتدى الشخصيات أقنعة تاريخية وقصصية تلائم تكوينها النفسى ونزوعها الفكرى والوجدانى: فالرواى مراد صبرى يصبح المحقق هركيول بوارو، وسلوى مارى أنطوانيت، وإميل نابليون، وليلى شجرة الدر، ولبيب قرصان، وطارق إلتون جون، ومايا كليوباترا.
والرواية مروية من وجهات نظر مختلفة، حيث كل قسم يحمل عنوانا له لونا من ألوان الطيف السبعة (تبلغ هذه الألوان ذروتها الدامية في القسم الأخير - أحمر - الذى توشيه مقتطفات من رؤيا يوحنا اللاهوتي المروعة). هذه تقنية عرفناها من قبل فى أعمال من قبيل رباعية الإسكندرية لدريل، "الرجل الذى فقد ظله" لفتحي غانم، و"ميرامار" لنجيب محفوظ ، و"أصوات" لسليمان فياض، و"بوح الأسرار" لمحمد جبريل. ولكن التقنية تكتسب هنا بعدا جديدا إذ تتيح لنا فرصة إلقاء الضوء على الصراعات بين ثقافتين، ونقاط اللقاء والافتراق بين الشخوص، وكأنما نحن عند مفترق دروب متقاطعة تتشعب بالسائرين في هذا الاتجاه أو ذاك.
وفى الرواية تحليلات ناقدة للغيرة الجنسية، وعذابات الحب المكتوم، والجنسية المثلية، والزنا بالمحارم، ومحاولة الاعتداء الجنسي على الصغار، فضلا عن الأصولية الدينية. والشخصيات مرسومة بمقدرة وأحكام (انظر بوجه خاص، براعة الكاتب في تصوير شخصية الموسيقى لبيب سرور). وثمة تناص - يزيد الرواية ثراء- مع كاواباتا، والكتاب المقدس، والقرآن الكريم، وشكاوى الفلاح الفصيح، وبردية آني. كما تستمد الرواية عنوانها من لوحة للمصور الانطباعي الفرنسى إدوار ديجا، صديق الشاعر الرمزي مالارميه.
إن كل عمل جديد لشريف مليكه يحمل مذاقا جديدا، ولا يكرر ما سبقه. ديوانه "مصرية" - من شعر العامية المصرية - مختلف عن دواوينه السابقة "دواير" و"حواديت من كتاب الحب". روايته هذه مختلفة عن رواياته السابقة "زهور بلاستيك" و"خاتم سليمان"، مجموعته القصصية "اليوم الثامن" مختلفة عن مجموعته الأسبق "مهاجرين". وهذه الرواية - المهداة إلى إنسان نبيل وناقد نافذ البصيرة متجدد الفكر هو توفيق حنا - لبنة جديدة تضاف إلى صرح يبنيه شريف مليكة - بصبر ودأب - عاما بعد عام، وعملا بعد عمل.
د. ماهر شفيق فريد