فن ركوب الخيل ، وهي لا تقتصر على مهارة الفارس في ثباته على ظهر الحصان ، بل تشمل جانباً آخر معنوياً . يتمثل هذا الجانب في روح الفروسية بكل ما يحمله هذا المفهوم من قيم وأخلاق . وتمثل الفروسية مظهراً طبيعياً من مظاهر حياة العربي منذ جاهليته . فنتيجة لظروف طبيعية واجتماعية واقتصادية ، ونتيجة لما كان يشعر به من تحدي الآخرين ، اتخذ الفروسية وسيلة لمقابلة هذه التحديات .
خصائص الفروسية عند العرب :
الفروسية ليست قاصرة على السادة ، إنما هي حقٌ لكل عربي ، بغض النظر عن مركزه الاجتماعي . والفارس الكامل في نظر العرب هو مَن يحمي الضعيف من القوي ، وينصر المظلوم على الظالم ، ولا يُحجم عن إزالة المظالم أياً كان مرتكبها . وهو مَن يفتح صدره للبائسين ، ويمد ذراعيه لخدمة الضعيف ، ويتطوع لمحاربة الشر . ومن تقاليد الفروسية معاملة الأسرى بالحسنى ، وهذا يصور مدى الشهامة والسمو الإنساني في معاملة شخص يقع تحت رحمة شخص آخر أقوى منه ، قادر عليه ولكنه يرفق به ، ويحسن إليه .
فنون الفروسية العربية :
كانت العرب تدرب أبناءها منذ الصغر على ركوب الخيل وحمل السلاح . وكانت الفروسية لا تتأنى إلا بالتجربة الحربية الطويلة ، والممارسة الفعلية لقيادة المعارك . وكانت أغلب القبائل العربية تستعمل أسلوب الكر والفر ، طريقة للقتال ، وهذا ما وصفه امرؤ القيس بقوله :
مُكرٌ مُفرٌ مُقبلٌ مُدبرٌ معاً ::~:: كجلمودِ صخرٍ حطّهُ السيلُ من عَلِ
غير أن طريقة القتال تختلف من قبيلة لأخرى ؛ فهناك من يعتمد على الإغارة وآخرون يعتمدون على التنظيمات .
ملابس الفرسان العرب :
كان المقاتلون من الفرسان العرب يلبسون الدروع لحمايتهم من الطعن ، وغالباً ما تكون هذه الدروع طويلة واسعة ، يسحبها الفارس سحباً ، وهي ساترة لمعظم الجسم فيبدون وهم يرتدونها كالسيول لكثرتها ، ولما كسبته من لون جديد . غير أن الفرسان العرب كانوا يتفاوتون في استعمال الدروع ؛ فهناك من يلبس درعين ، حيث كان كبار القواد يلبس أحدهم درعين أحدهما فوق الآخر ، زيادة في الحيطة والتوقي . وهناك من يلبس الدرع بلا أكمام لتسهيل حركة اليد عند الطعن أثناء القتال . وهناك من يترك الدرع لشدة اعتزازه بشجاعته ، ويرى أن الفارس الحق هو الذي يعتمد على سيفه دون أي سلاح ؛ لخفة حمله وسرعة طعنه .علامات وشعارات الفرسان العرب :
كان بعض الفرسان يعلمون عن أنفسهم بعلامة ، ولكن الغالب على الفرسان أنهم كانوا يكرهون أن يُعرفوا ، غير أن قسماً منهم كان يُعلم عن نفسه باستخدام إشارات خاصة ، كرفع العلم أو بارتداء عمامة ذات لون مميز ؛ ليدل على نفسه ومكانه . وقد رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى جنوده المحاربين راية من الحرير الأسود ، بمثابة علم ، سماها العقاب ، وعهد بها إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
واستعمل العرب نوعاً آخر من الإشارة ، يسمى الشعار يتمثل في الاتفاق حول ألفاظ يتنادون بها أثناء المعركة ؛ على أن هذه الألفاظ لم تكن معينة . وإنما هي مصطلحات يتفقون عليها حسب مقتضى الحال . فكان شعار الأحزاب في غزة أحد ( يا لِلعزى يا لِهبل ) ، وشعار أصحاب رسول الله صلى الله عليك وسلم ( أمتْ أمتْ ) . وكان شعار تنوخ في الحيوة يا ( يا آل عباد الله ) وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل من المهاجرين والأنصار شعاراً . فكان شعار المهاجرين ( يا بني عبد الرحمن ) ، وشعار الأوس ( يا بني عبيد الله ) ، وشعار الخزرج ( يا بني عبد الله ) .