ليس من قبيل المبالغة القول: أنه عبر التاريخ الطويل من العلاقة بين الإنسان ومخلوقات الله تعالى، لم يحظ موضوع بفضول واهتمام الأول قدر فهم اللغة التي يتخاطب ويتواصل بها الطرف الثاني وفك رموزها، واستبيان شيفرتها، وما قد تشكله من خلفيةٍ جيدةٍ لفهم وتفسير بعض خفايا السلوكيات "الغامضة، ومن ثم معرفة كيفية التخاطب/التواصل معها لتفعيل استثمار هذه المخلوقات التي سخرها الله تعالي للإنسان. فضلاً عن أن هذا المجال يُفضي إلي غاية جليلة كبري ـ غاية العلم والتعلم والتعليم النافع ـ هي معرفة الله تعالي حق المعرفة عبر التأمل في كونه ومخلوقاته جل شانه.
برز مصطلح التواصل/ الاتصال Communication وغزت علومه ودراساته مجالاتٍ عدة.. الإعلام والتربية والتعليم والاقتصاد والسياسة الخ، وعلى الرغم من أهمية هذه الجوانب وغيرها للبشر، إلا أننا لسنا وحدنا فوق هذا الكوكب المزدحم بالكائنات التي خلقها الله تعالى، فمعنا "أمم" قد يتفوقون علينا.. عدداً وتنوعاً، وأحياناَ عُدة وقوة :"وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ، ثم إلى ربهم يُحشرون" (الأنعام:38).
إن لهم أيضا علم رائع بديع للتواصل/ الاتصال Animal communication.
لقد كان ذلك من أجل نعم الله تعالى التي تستوجب الشكر من سيدنا سليمان عليه السلام: "حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل أدخلوا مساكنكم، لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، فتبسم ضاحكاً من قولها وقال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علىّ وعلى والدي وان اعمل صالحاً لرضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين"( النمل: 18ـ19).
لقد أثبتت الدراسات أن بعض أنواع الحيوان تستخدم أنظمة إتصالية متطورة نسبياً: "صنع الله الذي أتقن كل شئ، إنه خبير بما تفعلون"(النمل:88)، فلديها عدد من الرسائل التعبيرية الخاصة بموضوعاتٍ معينة، أليس من اللافت للنظر "تداعى" الحيوانات والطيور فلم يـُر نفوقاً واضحاً لها بين ما يزيد عن ربع المليون من جثث البشر الذين قضوا في زلزال جنوب شرق آسيا"تسونامى"(ديسمبر 2004م)؟!، ترى كيف تخاطبت هذه الحيوانات والطيور وأنذرت بعضها قبل ساعة الصفر؟ في حين لم تفلح أجهزة الإنذار المبكر لدى البشر؟.
عند قرب المسافات تتواصل كائنات بلغةٍ سريعة وبسيطة، يسهل أيجاد مرسلها حتى في الظلام، ويفهما مستقبلها، هي لغة الاتصال الجسدي، فملامسة الجلد والعناية به بين بعض الرئيسيات كالغوريلا والقرود يعد نمطاً خاصاً من الاتصال الجسدي يعبر عن الاهتمام والحدب والمسئولية، بينما تجد بعض الكلاب "ذات المكانة المرموقة" قد تضع أقدامها فوق ظهر من هو دونها مكانة تعبيراً عن السيادة، والتفاوت الطبقي وممارسة للقهر!.