في ذكرى الحياة والخلود.. ذكرى قاضي محمد
شهد ميدان (جوار جرا) في مهاباد في الثلاثين من شهر آذار سنة 1947 تنفيذ حكم الاعدام برئيس جمهورية كوردستان الديمقراطية (جمهورية مهاباد) ورفيقيه في النضال (شقيقه صدر القاضي وابن عمه سيف القاضي) وفي نفس الموقع الذي شهد اعلان قاضي محمد ميلاد جمهورية مهاباد يوم 22 كانون الثاني عام 1946.
ففي الثلاثين من آذار سنة 1947، أسدل الستار عن آذخر فصول المؤامرة الدولية والاقليمية الغادرة التي أغتالت ووأدت الجمهورية الفتية (جمهورية كوردستان الديمقراطية) في 16 ديسمبر سنة 1946، قبل أن تتم عامها الأول.
وبأقتراف السلطة الايرانية الغاشمة هذه الجريمة النكراء تكون قد أسفرت عن نهجها الشوفيني وعن نزعتها الفاشية في معالجة القضية القومية للشعب الكوردي في أيران وحقه في الحكم الذاتي لاقليم كوردستان في إطار الدولة الايرانية فضلا عن حقه في تقرير المصير.
وإذ يستذكر شعبنا الكوردي هذه المناسبة بكل ماتحمله من الام وعبر، إلا أنها تبقى مصدر فخر وأعتزاز بتأريخ تلك الكوكبة النضالي المشرف الزاخر بالبطولات والتضحيات الجسام كرموز وطنية بارزة تبوأت بشرف مكانها اللائق في سفر حركة التحرير الوطني الكوردستانية ونبراساً ينير درب المناضلين.
نشأ قاضي محمد في أسرة جمعت الزعامتين الدينية والقبلية لاهالي مدينة سابلاغ (مهاباد) والقرى المحيطة بها وقادت حركة المقاومة ضد الغزو الاجنبي لبلادهم، فضلا عن تبنيها الحركة المطلبية لاهالي البلدة أمام السلطات الايرانية، وتوليها أمور القضاء والافتاء وحل المنازعات وتولي الشؤون الادارية لمدينة مهاباد والقرى المحيطة بها.
وفي هذه الأجواء ترعرع قاضي محمد الذي ما أن بلغ مرحلة الشباب حتى برزت اهتماماته بالشؤون الثقافية والاجتماعية ومتابعة التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلدان الأوربية التي أتخذت الديمقراطية كنظام ومنهج للحكم.
وخلال فترة توليه رئاسة جمهورية مهاباد أثبت قاضي محمد أهليته وقدرته على إدارة شؤون البلاد بحكمة ودراية وكفاءة متناهية وعلى قدر كبير من المهارة السياسية واعتماده على مستشاريه في حل القضايا المعقدة، وبذلك كسب ود وأحترام وتقدير المواطنين وكان سببا في سيادة الأمن والاستقرار، وعدم أرتكاب جرائم القتل أو عمليات السرقة والسلب والنهب طوال عمر الجمهورية.
وبالرغم من استتباب الأمن والاستقرار في داخل وخارج مدينة مهاباد إلا أن قوات الجيش الأيراني لدى دخولها مدينة مهاباد شنت حملة اعتقالات واسعة شملت موظفي الجمهورية واعضاء الحزب الديمقراطي الكوردستاني، واعتقل ايضا قاضي محمد وسيف القاضي، كما جرى أعتقال صدر القاضي الذي كان في طهران في مهمة للتفاوض مع رئيس الوزراء الايراني أحمد قوام.
وتم تشكيل محكمة عسكرية خاصة برئاسة العقيد بارس تبار والمدعي العام العقيد فيوضي ولم يسمح للقاضي ورفيقيه بتعيين محامين للدفاع عنهم، بل عينت المحكمة محامين عسكريين للدفاع عنهم.
وكشف المحامي النقيب شريفي الذي عينته المحكمة وكيلا عن قاضي محمد بعض جوانب المحاكمة قائلاً:
أن القاضي محمد رجل عظيم وحكيم، تكلم بشجاعة أمام المحكمة عن قضية الشعب الكوردي، ودافع بجرأة وصلابة عن حقه، في الحكم الذاتي وحق تقرير المصير، واتسم بالحكمة والمعرفة في مناقشاته ومداولاته مع رئيس المحكمة. وقال أيضا: في الحقيقة أن قاضي محمد هو الذي كان يحاكم النظام عندما حول دفاعه الى إدانة للنظام الحاكم الذي تصرف بخبث في معالجة قضية الشعب الكوردي ولم يقتصر دفاعه عن قضية الشعب الكوردي فحسب بل شمل دفاعه طرح مسألة القوميات الايرانية الأخرى غير الفارسية الرازحة تحت نير التسلط الدكتاتوري فاضحاً انتهاكات النظام لحقوق الانسان وتجاهله لحقوق القوميات غير الفارسية، كما فضح ممارسته القمعية التي اتسمت بقمع ومصادرة الحريات والرأي الآخر وغياب كامل للديمقراطية وغياب الدستور والمؤسسات الدستورية... ان اللجوء الى اساليب القمع الوحشي التي اتصفت بالفاشية والنزعة الشوفينية الحاقدة في معالجة القومية، قد اثبتت فشلها، وعزا ذلك الى تغليب النزعة الدكتاتورية على الحل السلمي الديمقراطي.
وأمام هذا الدفاع الصلب، بقيت هيئة المحكمة العسكرية مندهشة لصلابة قاضي محمد ورفاقه وتمسكهم بحقوق الشعب الكوردي القومية ولم يندموا على ما قاموا به من أجل شعبهم.
وفي تصريح لقائد شرطة مهاباد أمير برويز لمجلة اطلاعات الايرانية بعد تنفيذ حكم الاعدام قال: زار عدد من المسؤولين في السفارة الامريكية في طهران قاضي محمد في سجنه بمدينة مهاباد برفقة بارس تباري رئيس المحكمة العسكرية التي أصدرت حكم الاعدام بحق المناضلين الثلاثة، وكنت برفقتهم تحدث أحد الامريكيين مع قاضي محمد قائلاً له: لو أنك ادرت القضية الكوردية وفق ما تقتضيه السياسة الامريكية في المنطقة فإننا سننقذك من الموت.
لكن قاضي محمد.. ومن منطلق الاعتزاز بالنفس وبالقيم والمبادىء التي تمسك بها، رفض طلبهم وقال:
(أنا رجل صاحب مبدأ، ولي وجه واحد، وليس بإمكاني أن أغش نفسي).
وعندما أقتيد الابطال الثلاثة أعتلى قاضي أعواد المشنقة .. وقد منع جلاديه من أن يعصبوا عينيه قائلا لهم:
-ليس هناك ما أخجل منه حتى تعصبوا عينيّ أمام أبناء شعبي ووطني الحبيب، وفي لحظات عمري الأخيرة اريد أن أرى بلادي الجميلة كوردستان بأبهى وأفضل ما تكون عليه، شامخة مزدهرة
وهتف عالياً:
عاش الشعب الكوردي
عاشت كوردستان
هكذا رحل عنا أحد رموز نهضتنا الحديثة المناضل قاضي محمد...
وسيبقى الكورد يستذكرون بفخر رموزهم الوطنية كعناوين بارزة للصمود والنضال..
وسيبقى ذكر الشهيد قاضي محمد ورفاقه خالداً حيا في ضمائر وقلوب الكورد في كل مكان.
بتنى ان ينال التقرير اعجابكن يا احلا عضوات في احلا مملكة باااااااااااااااي