هي شهد الرحيق بعد لظى الحريق..!
هي: التي ترويك بعد أن يُلهب دواخلك ظمأ الدنيا.
إنها: الإنسان الوحيد الذي يهبك حنان الوجود عندما تحيط بك قسوته.
إنها: التي لا تخذلك أبداً حتى عندما يخذلك قريب الناس وبعيدهم.
إنها: هي التي تحرِّضك على فعل كل شيء جميل ليس من أجلها، بل من أجلك أنت وحدك.
تأملوا معي هذه القصة..! لتدركوا كم هي رحمة الأم بسعة الدنيا..!
وكم هو إيثارها فلذة كبدها حتى على نفسها..!
«جاء رجل في العصر العباسي إلى بيت امرأة، وطرق بابها وطالبها برد «دين» عليها فأبدت المرأة قلة ذات يدها، فغضب عليها الدائن، وضربها وانصرف، وجاء إليها مرة أخرى ففتح له الباب ابنها وسأله عن أمه، وقال له: إنها خرجت إلى السوق، وظن الرجل بالابن الكذب فضربه على كتفه ضرباً غير مبرح، وإذا بأمه تأتي في هذه اللحظة، وقد رأت الرجل يضرب ابنها فبكت بكاءً شديداً، فقال لها الرجل فيما يشبه الاعتذار: لقد ضربته ضرباً خفيفاً، فلماذا تبكين وقد ضربتك بالأمس ضرباً مبرحاً ولم تبكِ، فأجابت الأم أو أجاب قلبها: «بالأمس ضربت جلدي، واليوم ضربت كبدي»، فتأثر الرجل الدائن، وعفى عنها، وأقسم ألا يطالبها بالدين الذي عليها بعد اليوم.!
حسبك أن تلفظ كلمة «الأم».! فيزهر على فمك شجر الورد، وينداح في قلبك ندى الحنو والأمان.
حسبك عندما تعزفها بشفتيك أن يحلق على مدائنك جناح الحنان. أمـا عنــدما يصــدح الطــفـل أو يصرخ: «ماما». عندها.. وعندها فقط تتعطل لغة الكلام.
أيتها الأم..! يا من بحضورها يزهر الحنان وبغيابها يقيم الجفاف.
أيتها الأم.! يا من تحترقين ألماً بين أضلاعك، وتورقين أملاً في قلوب بنيك. يا ساكبة الدعوات التي تزرع سنابل السكينة في فلذات أكبادها، وتنزع بكلماتها سنابل القلق من بيادر نفوسهم.
ترى..! هل ينقضي الحديث عن الأم، وهي التي عندما يمر اسمها على الشفاه تعبق فرحاً. وعندما يلامس حنانها حنايا القلب يفيض بشراً وسعادة ودفئاً.
وعندما يعبْر خيالها أحداق العيون تضحى الدنيا حدائق من السرور..! ليحفظ الله كل أم على قيد الحياة، وليملأ قلوب أبنائها وبناتها حناناً عليها، ولتكن أيها الولد ـ بنتاً أو ابناً ـ باراً بها قائلاً لها قولاً كريماً، داعياً لها كما ربتك صغيراً، وحفّتكَ بدعواتها وحنوها كبيراً.
وليرحم الله كل أم انتقلت إلى جوار ربها، وليلطف الله بها كما لطفت وفاض قلبها حناناً على أبنائها، وليجبر كسر كل مكلوم ـ كبيراً أو صغيراً ـ برحيل نبع حنانه، وليعوضه عن دعواتها الصادقات التي ترفعها من ضفاف قلبها إلى عنان السماء.
«مازلت ـ يا أمي ـ أخاف الجدب أن يستل سيفاً في الظلام
وأرى دماء العمر تبكي حظها وسط الزحام
إني لأذكر كلما همستْ عيونك بالدعاء».
باقة ورد لكل أم
فلو أن ينبوع المياه محابرٌ
وكل نبات في البسيطة اقلامُ
وراموا بأن يحصوا اليك تشوقي
لما ادركوا معشار عشر الذي راموا
الام هي بهجة الدنيا، وقرة العين، الام بعث الحنان، وكل العطاء والسعادة. امي.. ايتها الشمعة المضيئة التي احترقت وأنارت لنا دربنا والتي ذبلت حتى ازهرت لنا حياتنا لنحقق ما تصبو اليه نفوسنا، امي كانت الامل المشرق الذي اقتبست منه يوماً بعد يوم العبر والايمان، الجد والمثابرة، الصدق في المعاملة امي هي المثل الاعلى هي الشجرة الوارفة الظلال ذات الرائحة العطرة ، والخضرة المستمرة والعطاء الدائم. الام هي سر الترابط الاسري وهي احلى كلمة قيلت في حياتي.
امي.. حين دخل صوتك قلاع هدوئي، لم اكن اعرف، ولم اكن اتوقع بأن الامواج ما زالت تعشق صراع الصخور، لم اكن اعرف بأن الانهار تصب في شرايين اللحظات دمعاً ودماً، كنت وما زلت صغيرة، حديثة العهد في هذه الدنيا، كانت الوديان لا يزال غريبا عليَّ صداها.
لم اكن اعرف ان الانامل تنمو فوق الاعشاب ولكن؟!! لم ألمح للحظات وجهاً آخر، فقد انفتح امامي باب رجف له قلبي وارتاحت له نفسي، واختلفت الالوان امام عيوني.
سمعت صوتاً أطعمني الحنين، كان صوتك يا امي..
وشربت الحنين مع لبنك الشهي، ورأيت عيناً شعّتْ وانارت لي الليل، وقلبي الذي ينبض بقوة كانت عينك يا امي. وما زالت تحرسني في غربتي اينما كنت وحيثما حللت.
امي..
يا من تفرشين مساحات من الحب، وتمنحين السعادة الى كل من حولك.. ومن يعطي عطاءك.. فأنت وحدك القادرة على هذا العطاء.. ونحن جميعاً العاجزون عنه.
امي .. يامن تتجلى فيك صورة الحب والتضحية والتلاحم والتعاضد.. لقد صنعت رجالاً ونساءً لهم نجاحاتهم المشهودة في حيز الوجود.. تبقين يا امي شامخة رغم فقدانك.. تبقين يا امي الملكة، والقدوة، والحب الكبير رغم فقدانك..
تبقين يا امي ناقوساً وتاجاً فوق رؤوسنا ما حيينا نحن ابناءك وبناتك..
امي.. سامحينا على اخطائنا ، سامحينا على تقصيرنا مع انك الآن في دنيا الحق ونحن في دنيا الباطل ولا تستطيعين الكلام الا اننا نحس انك معنا في كل لحظة وفي كل دقيقة وثانية من عمرنا.. نتناول احاديثك ونعيش مع ذكرياتك وعطائك ونصائحك. امي اليك باقات من الورد، ومساحات من المحبة الصادقة، ومساحات من الحزن تغيم علينا لفقدانك ايتها الغالية الحنون..
امي.. أردد مع الشاعر زكي قنصل:
ماذا اقول لمن يسائلني
عما يعيدك عن موافاتي
لا انت حي ارتجيك ولا
ميت فأنفض منك راحاتي
عبثاً اعلل مهجتي بغدٍ
ليس الغد المرجو بالآتي
يا ابني وتسألني هل انقشعت
عن مقلتي حجب الغشاوات
انت الدواء فإن نبذت يدي
لا طب مجدٍ في مداواتي
ما حاجتي للنور في بعدي
ان لم تكن عيناك مرآتي
بيني وبين القبر مرحلة
أجتازها في بضع ساعاتِ
امي..
ماذا عساي ان اقول.. فالكتابة عنك امر بالغ الصعوبة لانه تعبير عن الحب والامتنان والعرفان والمكوث تحت قدميك )عتبة الجنة(.. فحبي لك يا امي ليس شعوراً عقلانياً ولا هو عاطفة مستقلة انه ارتباط ابدي وهنا يكمن سره وسحره ومعجزته.
امي يا كل الحب والحنان..
اعرفك لا تنتظرين رداً للجميل لانك قمة العطاء وان زالت هذه الصفات من العالم بأسره فستبقى محفورة في قلبك لانها مأخوذة عنك..
امي..
ادعو الله لك بالجنة
ادعو الله لك بالمغفرة
ادعو الله لك بالفردوس الاعلى
يا اغلى الناس على قلبي
وباقة ورد لك ولكل الامهات