1/ الابتسامة خلق الدّعاة والبرّ الهيّن: الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على خيرة الخلق، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين وصحابته الكرام وعلى المهتدين بهديهم إلى يوم الدّين، وبعد. تُعدّ الابتسامة من أهم سمات الإنسان، بل إنّ غالب علماء التعريفات والمنطق يجعلونها القيد المميّز للإنسان عن غيره من الكائنات، فهم حين يعرّفون الإنسان يقولون: هو الحيوان الضّاحك لذاته. وكما لا يغيب فإن التعريف يقيّد باستعمال أهم المحددات التي يفرّق بها الشيء عن غيره؛ فالضحك إذن من أبرز ما يفرّق به الإنسان عن غيره من الحيوانات. والحيوانان الضاحكان فقط هما الإنسان والهدهد، والأخير يضحك لغيره، والإنسان يضحك لذاته. وعلاوة على كون الابتسامة خصيصة إنسانية محضة لا يستغني عنها الإنسان، وحاجة اجتماعية، فإنها لغة إنسانية عالميّة، يعقل مدلولاتها البشر مع اختلاف إلسنتهم، وتفاوت ثقافاتهم ومستوياتهم. وهي من أرقى لغات الجسد التي منحها الله تعالى للإنسان، وهي علامة تكريم جلي له على غيره من المخلوقات، وتعدّ من وسائل الاتصال غير اللفظي المؤثّر لدى الكائن البشري، وهي طريق مختصر لكسب القلوب، ومفتاح لهداية الكثيرين، وباب عريض يوصل إلى النفوس ، ووسيلة حية للتعبير عما يجول في الخاطر تجاه الآخر، وهي تعبير صادق عن مشاعر عدّة كالفرح والخجل والغموض والحرج وغيرها، ورونقُ جمال، وإشراقة أمل، تَميّز بها الإنسان عن باقي الكائنات الحية لتضفي على وجهه قمة الراحة وذروة الانشراح ونهاية الانبساط. والابتسامة نزعة غريزيّة، واستعداد فطري، لا يكتسب بالتجربة، وفيها إعلان الإخاء، وعربون الصفاء، ورسالة الود، وخطاب المحبة. وهي تقع على صخرة الحقد فتذيبها، وتسقط على ركام العداوة فتزيلها. و تحل حبل البغضاء، تطرد وساوس الشحناء، تغسل أدران الضغينة، تمسح جراح القطعية.... ومع أنها تحدث في ومضة إلا أن ذكرها يبقى دهرا، و هي المفتاح الذي يفتح أقسى القلوب، و هي الأداة التي تكبت الغضب و تسرّي عن القلب.
وتعرّف الابتسامة بأنها من أخف الضحك وأحسنه، وهي انفراج الشفتين عن الثنايا[1] مع انبساط الأسارير.والمبتسم كما يؤكد خبراءالأحاسيس الإنسانية يكون له تأثير ايجابي فيالآخرينأكثر من الشخص الذي يبدو وجهه جادا دائما؛ لذلك يعتبر المبتسمونأناساً دافئين ودودين، ويقول الأستاذ محمد قطب –حفظه الله-: ( لا يكفي المال وحده لتأليف القلوب ولا تكفي التنظيماتالاقتصادية والأوضاع المادية، لابد أن يشملها ويغلفها ذلك الروح الشفيف، المستمدمن روح الله، ألا وهو الحب، الحب الذي يطلق الابتسامة من القلوب فينشرح لها الصدروتنفرج القسمات فيلقي الإنسان أخاه بوجه طليق). وللجاحظ الأديب فهم لطيف لقوله سبحانه وتعالى: (( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أمَاتَ وَأَحْيَا))[2] ؛ إذ قال : ((وضع الله سبحانه وتعالى الضحك بحذاء الحياة، ووضع البكاء بحذاء الموت، والله لا يضيف إلى نفسه القبيح، ولا يمن على خلقه بالنقص، فكيف لا يكون موقعه من سرور النفس عظيما، ومن مصلحة الطباع كبيرا، وهو في أصل الطباع، وفي أساس التركيب)).
وصدق الشاعر؛ إذ استغرب من المكتئب الذي لا يبتسم؛ فقال:
هشّت لكالدنيا فمالك واجماً***وتبسَّمَت فعلام لا تتبسم إن كنتَ مكتئباً لعزٍ قد مضى***هيهات يرجعه إليك تندُّم
ومن فقه سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه نصح بنيه فقال لهم:
بنيّ إن البر شيء هين *** وجه طليق وكلام لين
وممّا يشير إلى قيمة الابتسامة وهي لازمة السماحة ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله:
يغطى بالسماحة كل عيب *** وكم عيب يغطيه السخاء
وروي عن الإمام ابن عيينة رحمه الله قوله: البشاشة مصيدةالمودة. و يقول ديلكارينجي في كتابه كيف تكسب الأصدقاء و تؤثر فيالآخرين: (( إن ما يقال أن سر النجاح يكمن في العمل الجاد و الكفاح فلاأؤمن به متى تجرد من الإنسانية اللطيفة المتمثلة بالإبتسامةاللطيفة)). وقرر الصينيون أهمية الابتسامة والطلاقة في التعامل؛ فقالوا في مثلهم المشهور:الرجل بوجه غير باسم لا ينبغي أن يفتح دكانا وصدق زهير بن أبي سلمى؛ إذ قال:
تراه إذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله
ويحذر الشاعر الآخر أن نكون من الذين:
وجوههم من سواد الكبر عابسة***كأنما أوردوا غصبا إلى النار ليسوا كقوم إذا لقيتهم عرضا***مثل النجوم التي يسري بها الساري
ولله در القائل:
إن الصديق يريد بسطك مازحاً فإذا رأى منك الملالة يقصر وترى العدو إذا تيقّن أنه يؤذيك بالمزح العنيف يكثر
وأنقل عن الإمام المربّي ابن القيم الجوزية –رحمه الله تعالى- ؛ إذ يقول في أهمية البشاشة ((إن الناس ينفرون من الكثيف ولو بلغ في الدين ما بلغ ، ولله ما يجلب اللطف والظرف من القلوب فليس الثقلاء بخواص الأولياء ، وما ثقل أحد على قلوب الصادقين المخلصين إلا من آفة هناك ، وإلا فهذه الطريق تكسو العبد حلاوة ولطافة وظرفا ، فترى الصادق فيها من أحب الناس وألطفهم وقد زالت عنه ثقالة النفس وكدورة الطبع.)).