بســــم اللـــه الرحمن الرحيــــم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم سيدنا محمد الهادي إلى صراط مستقيم
والداعي إلى دين قويم وعلى سائر النبيين وآل كل وسائر الصالحين وبعد :
يحن المغترب لوطنه..ويتلهف للقياه ويسعى متشوقا للعودة إليه..حيث أحبابه وخلانه.
ويحن الطفل لأمه..يبحث عنها...يتلمس لقياها في ك ثانية ....يبتغي حنانها ..ليشعر بالأمان...بالاطمئنان.
ويحن التراب إلى التـــــــراب....!
فابن آدم خلق من تراب وشاء المولى عز وجل أن يجعل الحنين إلى التراب لابن التراب في كل يوم..بل في كل
ساعة إن قدر , ويحصل ذلك - بخشوع ناعم - عندما تعانق جبهة ابن آدم التراب.في ذل السجود ..للعزيز ..
في قمة الاشتياق لأصله..لموطنه..فيخر ساجدا له تعالى..سجدة متمازجة بمنتهى ذل العبودية وبالحنين
للأصل والمنشأ قائلا :
" اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه و صوره وشق سمعه وبصره تبارك الله
أحسن الخالقين " رواه مسم وغيره.
" سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة " رواه أبو داود واحمد والنسائي
ثم يتذكر كيف اغترب عن موطنه ساعات طوال وأحيانا سنيَ كثيرة ..مغترب بلا مدة محددة ولا تاريخ مدّون ..إنما أمل في
العودة..فيقول :
" اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره " رواه مســلم
ومن ثم تذرف العبرات وكأنها تتدفق من القلب..تسيل بحرارة مصحوبة بالحنان...والرغبة والأمل في عيشة هنية في الموطن
الأصلي..التـــراب , فيستطرد داعيا :
"اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" رواه
مســــلم
ولكن رغم العبرات ورغم الألم..هناك لذة..هناك متعة..! فبعد الانتهاء من السجود..يعود...!
متذكرا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
"أقرب ما يكون العبد من ربه وهــــو ســاجد فأكثروا الدعــاء" رواه مسلم
فيخر ساجدا..ذليلا..طالبا رحمة العزيز..رحمة ربه الذي خلقه..فيناجيه ويتملقه ويكالمه ..يرجوه أن يغفر له غربته..!
وفي يوم آخر..تمر عليه نعمة أو تندفع عنه نقمة أو يرى مبتلى أو متجاهرا بمعصية..فيسجد شكرا لله على آلائه رب ونعمائه..فهو
موطنه..وسيلازمه..لن يغترب ثانية..لن يغترب عن موطنه الأم .. لا لن يغترب...
فيدرك حينها أن المغترب الحقيقي ليس من غاب عن بلده ذي الأحجار...! إنما الذي غاب عن موطنه ..التــراب..منتهى الذل للعزيز الجبار.
اسأل الله أن ينفعني وإياكم به
دعاؤكم رجائي
والله اعلم وصلى الله على رسول الله والحمد لله رب العالمين.