المرأة الكردية :جمال، مساواة ، وصلابة الجبال
المرأة الكردية عموما تتمتع بمكانة عالية في المجتمع والأسرة الكردية . فهي جميلة رشيقة بهية بملابسها المزركشة ومساوية تقريبا في الحقوق والواجبات مع الرجل. وهذه المساواة ليست جديدة على بنية المجتمع الكردي وانما هي عريقة قديمة قدم التأريخ. واستطاعت المرأة الكردية ان تتغلب حتى على القيود التي فرضت عليها من الأسلام فرضا. وها هنا مقدمة ونبذة قصيرة عن مكانة المراة في الأسرة وبعض الميزات الأجتماعية للمجتمع الكردي على وجه العموم والتي تكون جزءا جوهريا من تراثه الثقافي والقومي. وبمناسبة أعياد نوروز العيد القومي للشعب الكردي وددت أن أضع أمام عيون القراء الأعزاء والزملاء دور المرأة الكردية في المجتمع ومن خلال آراء بعض المستشرقين فيها.
فللمرأة الكردية ملابسها التقليدية المتميزة بزينتها وألوانها البهية الخلابة. ولم أر اوفى بالوصف مما قاله المستشرق الروسي فاسيلي نيكيتين:
" ولم يسعني- ونحن نمرّ بالقرى الصغيرة أثناء الأيام التالية- إلا الإعجاب بالنساء الكرديات، بمشيتهن المنتصبة، وأقدامهن الثابتة الفخورة، وبأزيائهن الجميلة جداً، الأنثوية جداً، المتعددة الألوان، ومعظمها طويل الأكمام جداً، حتى يمكن أن يُعمل من نهايته عقدة تُدفَع إلى الخلف وراء الظهر... هكذا ينجزن أعمالهن وألوان ثيابهن تمرق من أمام العين منسجمةً بشكل ما: أزرق، وأصفر، وأحمر، وأخضر، وأرجواني، شيءٌ من الجمال والرقّة في كل عالمهن القاسي. ما أروع وأسنى هذه القرويات التيّاهات بألوانهن ووجوههن السافرة! وما أسماهنّ على تلك المخلوقات البائسات المنطويات؛ نساء المدينة في عباءاتهن وبراقعهن السود! إن هؤلاء القرويات هن أكثر حرية في شتّى النواحي من نساء المدينة حتى المدن الكردية نفسها". (دانا آدمز شمدت: رحلة إلى بلاد شجعان، ص 234
"والشيء الغريب في الرقصات الكردية هو إدراك حقيقة أن الرجال لا يعترضون على أن تقف إلى جانبهم في حلبة الرقص امرأة، بل على العكس فهم يشعرون بسرور بالغ في الرقص إلى جانب الحسناوات. وهكذا فعندما يرقص الكرد فيما بينهم، يجرّ كل واحد إلى جانبه فتاة، ويشدّ كتفه بجانب كتفها. وعندئذ تضمّ الحلقة عدداً من الرجال بقدر عدد النساء. إنني آسف لكوني لم أصادف رقصة مشتركة بنفسي، ولكن الكرد لا يرقصون بصورة مشتركة إلا فيما بينهم، وبعيداً عن نظرات الترك والجنود المُغْرِضة". (نيكيتين: الكرد، ص 226).
اما الرقص الشعبي الكردي فهو غني عن التعريف. فليست هناك مناسبة أو إحتفال الا وكانت للمرأة و ال ( دول وزورنا ) -( آلتان موسيقيتان كرديتان ) –الطبل والمزمار- حضورا اساسيا لا غنى عنهما. ولم اجد كذلك لدعم مقولتي خيرا من كلام نيكيتين نقلا عن مينورسكي قوله: "إن أحد الملاكين الأغنياء أقام على شرفه حفلة رقص شعبي في أحد الأيام، وما إن ارتفع صوت المزمار (زُرْنا) مع الطنبور [الصواب: الطبل] في القرية، حتى هرعت جميع النسوة، وقد ارتدين أجمل زيناتهن، وأخذن أمكنتهن بين الرجال في حلقة الرقص التي استمرت حتى المساء، والجميع يضربون الأرض بأرجلهم بين الحين والآخر ضرباً جميلاً". (نيكيتين: الكرد، ص 169 - 170).
وعن الدفاع عن حقوق المرأة هناك كتاب و شعراء كورد بارزون ساهموا في إبراز دور المرأة واهمية بل اولوية مساواتها بالرجل كسبيل وحيد لنهضة الشعوب.
فإذا كان قاسم أمين ناضل في سبيل حقوق المرأة بفكره، فقد ناضل عنها شاعران كرديان شهيران بأشعارهما، الأول هو أحمد شوقي في مصر، إنه وقف في قصيدة له ضد ظلم الرجال للنساء، وندّد بزواج كبار السن من الصبايا، قائلاً:
ظلمَ الرجــالُ نساءَهمْ، وتعسّفوا
هل للنسـاء بمصرَ مِن أنصارِ؟!
يتزوّجون على نســـاءٍ تحتهمْ
لا صاحبــاتُ بَغيٍ، ولا بشِرار
مِـن كلّ ذي سبعين، يكتُم شيبَه
والشيبُ في فَوْدَيه ضوءُ نهـارِ
(أحمد شوقي: الشوقيات، 1/129 – 130).
والشاعر الكردي الآخر هو العراقي جميل صِدْقي الزَهاوي، ويبدو أنه كان يقف بقوة ضد الظلم الواقع على كاهل المرأة، والدليل على ذلك أن المعادين لحقوق المرأة وقفوا ضده بصرامة، وكالوا له الشتائم، بل هدّدوه بالقتل أيضاً، وقال مستنكراً فرض النِّقاب على المرأة ، وكان يسمّى (الحِجاب):
هكذا المسلمـون في كلّ صَقْعٍ حجبوا للجهـــالة المسلماتِ
سجنوهنّ في البيـوت، فشلّوا نصفَ شعبٍ يَهُــمّ بالحركاتِ
إنّ هذا الحجاب في كلّ أرضٍ ضررٌ للفتيــــان والفتـياتِ
لم يكن وضعُه من الدين شيئاً إنما قد أتى مــن العـــاداتِ
(جميل صدقي الزهاوي: ديوانه، ص 316، 319، 367).
اما صلابة المرأة الكردية فحدث ولا حرج . فلو سمعت أو قرأت أخبارهن وتأريخ نضالهن جنبا الى جنب مع الرجال لقررت ان لقب المرأة الحديدية أسند غدرا الى ماركريت تاتشر ، بطلة فوكلاند، ولجزمت أن خانزاد أميرة سوران كانت أجدر باللقب بإضافة كلمة واحدة ، اي بالتمام: المرأة الحديدية الصخرية.
فبالنسبة إلى صلابة المرأة الكردية فما أكثر الأدلة على ذلك! أبرزها هو صمودها في مواجهة قسوة الحياة الرعوية والريفية، بكل ما تعنيه تلك الحياة من بؤس وكدح وشقاء، ثم هل هناك ثورة كردية نشبت من غير أن تكون المرأة مساهمة فيها بشكل مباشر وغير مباشر؟ وهل كان من الممكن للكردي أن يهجر الدار، ويحمل البندقة، ويلتحق بالجبال، لولا ثقته بأن شريكته سترعى الأولاد والماشية والحقل من بعده؟ وهل كان من الممكن للشباب الكرد أن يخوضوا غمار القتال، لولا أنهم رضعوا حليب الإباء والشجاعة من الأمهات؟ وها هو ذا دانا آدمز يصف امرأة كردية من جنوبي كردستان، تغادر قريتها إلى الجبل، لتنجو من قصف الطائرات المعادية، قائلاً:
" سارت أمٌّ في مقتبل العمر ببطء في الطريق الصاعدة، وترعى نصف دزّينة من الأطفال، وأربعاً وخمساً من الماعز، وتحمل غِرارة كبيرة [كيس كبير] على عاتقها، وأردفت فوقها أوعية المطبخ وأوانيه، وتسوق بغلاً محمَّلاً بأثاث بيتيّ أمامها، وتنسج جَوْرَباً وهي سائرة، كانت تقصد كهفاً تقضي فيه نهارها، ثم تعود عند حلول المساء إلى القرية في موعد إشعال النار وخَبْزِ كمية من الرِّقاق (نان)، وعند الفجر تنهض ثانية، لتصنع اللبن والزبد بخضّ اللبن في زِقّ من جلد الماعز، بحركة رتيبة إلى الأمام والخلف، ثم تصعد الجبل ثانية هرباً من الطائرات المخيفة". (دانا آدمز شمدت: رحلة إلى بلاد شجعان، ص 241).
وللكرد إرث أدبي ضخم شاسع بشتى صنوفه وضروبه وشعابه لا مجال للخوض فيه في هذه العجالة.
سوف اكمل في جزء اخر من تقرير عن قصة حيات كل المناضلات الكرديات